فصل: تفسير الآية رقم (1):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (31):

{وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31)}
{وَإِذَا انقلبوا} أي المجرمون ورجعوا من مجالسهم {إلى أَهْلِهِمْ انقلبوا فَكِهِينَ} ملتذين باتسخفافهم بالمؤمنين وكان المراد بذلك الإشارة إلى أنهم يعدون صنيعهم ذلك من أحسن ما اكتسبوه في غيبتهم عن أهلهم بما إلى أن له وقعًا في قلوبهم ولم يفعلوه مراعاة لأحد وإنما فعلوه لحظ أنفسهم وقيل فيه إشارة إلى أنهم كانوا لا يفعلون ذلك بما رأى من المارين بهم ويكتفون حينئذ بالتغامز وقرأ المجهور فاكهين بالألف قيل هما عنى وقيل فكهين أشرين وقيل فرحين وفاكهين قيل متفكهين وقيل ناعمين وقيل مادحين.

.تفسير الآية رقم (32):

{وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32)}
يعنون جنس المؤمنين مطلقًا لا خصوص المرئيين منهم والتأكيد لمزيد الاعتناء بسبهم.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33)}
{وَمَا أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حافظين} جملة حالية من ضمير قالوا أي قالوا ذلك والحال أنهم ما أرسلوا من جهة الله تعالى على المؤمنين موكلين بهم يحفظون عليهم أحوالهم ويهيمنون على أعمالهم ويشهدون برشدهم وضلالهم وهذا تهكم واستهزاء بهم وإشعارًا بأن ما اجترؤا عليه من القول من وظائف من أرسل من جهته تعالى وجوز أن يكون من جملة قول المجرمين والأصل وما أرسلوا علينا حافظين إلا أنه قيل عليهم نقلًا بالمعنى عى نحو قال زيد ليفعلن كذا وغرضهم بذلك إنكار صد المؤمنين إياهم عن الشرك ودعائهم إلى الايمان.

.تفسير الآية رقم (34):

{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)}
{فاليوم الذين ءامَنُواْ} أي المعهودون من الفقراء {مّنَ الكفار} أي من المعهوندين وجوز التعميم من الجانبين {يَضْحَكُونَ} حين يرونهم أذلاء مغلولين قد غشيتهم فنون الهوان والصغار بعد العز والكبر ورهقهم ألوان العذاب بعد التنعم والترفه والظرف والجار والمجرور متعلقان بيضحكون وتقديم الجار والمجرور قيل للقصر تحقيقًا للمقابلة أي واليوم هم من الكفار يضحكون لا الكفار منهم كما كانوا يفعلون في الدنيا وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (35):

{عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35)}
{عَلَى الارائك يَنظُرُونَ} حال من فاعل يضحكون أي يضحكون منهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من سوء الحال وقيل يفتح للكفار باب إلى الجنة فيقال لهم هلم هلم فإذا وصلوا إليها أغلق دونهم يفعل ذلك مرارًا حتى أن أحدهم يقال له هلم فما يأتي من إياسه ويضحك المؤمنون منهم وتعقب بأن قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (36):

{هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)}
{هَلْ ثُوّبَ الكفار مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} يأباه فإنه صريح في أن ضحك المؤمنين منهم جزاء لضحكهم منهم في الدنيا فلابد من المجانسة والمشاكلة حتمًا والحق أنه لا أباه كما لا يخفى والتثويب والإثابة المجازاة ويقال ثوبه وأثابه إذا جازاه ومنه قول الشاعر:
سأجزيك أو يجزيك عني مثوب ** وحسبك أن يثنى عليك وتحمدي

وظاهر كلامهم إطلاق ذلك على المجازاة بالخير والشر واشتهر بالمجازاة بالخير وجوز حمله عليه هنا على أن المراد التهكم كما قيل به في قوله تعالى: {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] {وذق أنك أنت العزيز الكريم} [الدخان: 49] كأنه تعالى يقول للمؤمنين هل أثبنا هؤلاء على ما كانوا يفعلون كما أثبناكم على ما كنتم تعلمون هذا القول زائدًا في سرورهم لما فيه من تعظيمهم والاستخفاف بأعدائهم والجملة الاستفهامية حينئذ معمولة لقول محذوف وقع حالًا من ضمير يضحكون أو من ضمير ينظرون أي يضحكون أو ينظرون مقولًا لهم هل ثوب إلخ ولم يتعرض لذلك الجمهور وفي البحر الاستفهام لتقرير المؤمنين والمعنى قد جوزي الكفار ما كانوا إلخ وقيل هل ثوب متعلق بينظرون والجملة في موضع نصب به بعد إسقاط حرف الجر الذي هو إلى انتهى وما مصدرية أو موصولة والعائد محذوف أي يفعلونه والكلام بتقدير مضاف أي ثواب أو جزاء ما كانوا إلخ وقيل هو بتقدير باء السببية أي هل ثوب الكفار بما كانوا وقرأ النحويان وحمزة وابن محيصن بإدغام اللام في الثاء والله تعالى أعلم.

.سورة الانشقاق:

ويقال سور انشقت.
وهي مكية بلا خلاف.
وآيها ثلاث وعشرون آية في البصري والشامي وخمس وعشرون في غيرهما.
ووجه مناسبتها لما قبلها يعلم مما نقلناه عن الجلال السيوطي فيما قبل وأوجز بعضهم في بيان وجه ترتيب هذه السور الثلاث فقال إن في انفطرت التعريف بالحفظة الكاتبين وفي المطففين مقر كتبهم وفي هذه عرضها في القيامة.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)}
{إِذَا السماء انشقت} أي بالغمام كما روى عن ابن عباس وذهب إليه الفراء والزجاج كما في البحر ويشهد له قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماءبالغمام} [الفرقان: 25] فالقرآن يفسر بعضه بعضًا وقيل تنشق لهول يوم القيامة لقوله تعالى: {وانشقت السماء فَهِىَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} [الحاقة: 16] وبحث فيه بأنه لا ينافي أن يكون الانشقاق بالغمام وأخرج ابن أبي حاتم عن علي كرم الله تعالى وجهه أنها تنشق من المجرة وفي الآثار أنها باب السماء وأهل الهيئة يقولون إنها نجوم صغار متقاربة جدًا غير متميزة في الحسن ويظهر ذلك ظهورًا بينًا لمن نظر إليها بالارصاد ولا منافاة على ما قيل من أن المراد بكونها باب السماء أن مهبط الملائكة عليهم السلام ومصعدهم من جهتها وذلك بجامع كونها نجومًا صغارًا متقاربة غير متميزة في الحسن وخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل معاذًا إلى أهل اليمن فقال له يا معاذ إنهم سائلوك عن المجرة فقل هي لعاب حية تحت العرش ومنه قيل إنها في البحر المكفوف تحت السماء لا يكاد يصح والقول المذكور لا ينبغي أن يحكي إلا لينبه على حاله وقرأ عبيد بن عقيل عن أبي عمرو وانشقت وكذا مابعد من نظائره بإشمام التاء كسرًا في الوقف وحكى عنه أيضًا الكسر أبو عبيد الله بن خالويه وذلك لغة طيء على ما قيل وعن أبي حاتم سمعت أعرابيًا فصيحًا في بلاد قيس يكسر هذه لتاء أي تاء التأنيث اللاحقة للفعل وهي لغة ولعل ذلك لأن الفواصل قد تجري مجرى القوافي فكما أن هذه التاء تكسر في القوافي كما في قول كثير عزة من قصيدة:
وما أنا بالداعي لعزة بالردي ** ولا شامت إن قيل عزة ذلت

إلى غير ذلك من أبيات تلك القصيدة تكسر في الفواصل وإجراء الفواصل في الوقف مجرى القوافي مهيع معروف كقوله تعالى: {الظنونا} و{الرسولا} في سورة الأحزاب وحمل الوصل على حالة الوقف موجود أيضًا في الفواصل.

.تفسير الآية رقم (2):

{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2)}
{وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا} أي استمعت له تعالى يقال أذن إذا سمع قال الشاعر:
صم إذا سمعوا خيرًا ذكرت به ** وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا

وقال قعنب:
إن يأذنوا ريبة طاروا بها فرحا ** وما هم أذنوا من صالح دفنوا

والاستماع هنا مجاز عن الانقياد والطاعة أي انقادت لتأثير قدرته عز وجل حين تعلقت إرادته سبحانه بانشقاقه انقياد المؤمور المطواع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إليها للإشعار بعلة الحكم وهذه الجملة ونظيرتها بعد قيل نزلة قوله تعالى: {أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] في الانباء عن كون ما نسب إلى السماء والأرض من الانشقاق والمد وغيرهما جاريًا على مقتضى الحكمة على ما قرروه {وَحُقَّتْ} أي جعلت حقيقة بالاستماع والانقياد لكن لا بعد إن لم تكن كذلك بل في نفسها وحد ذاتها من قولهم هو محقوق بكذا وحقيق به وحاصل المعنى انقادت لربها وهي حقيقة وجديرة بالانقياد لما أن القدرة الربانية لاي تعاصاها أمر من الأمور لا لأمر اختصت به من بين الممكنات وذكر بعضهم أن أصل الكلام حق الله تعالى عليها بذلك أي حكم عليها بتحتم الانقياد على معنى أراده سبحانه منها إرادة لا نقض لها وقيل المعنى وحق لها أن تنشق لشدة الهول والجملة على ما اختاره بعض الأجلة اعتراض مقرر لما قبلها وقيل معطوفة عليه وليس بذاك.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3)}
{وَإِذَا الأرض مُدَّتْ} قال الضحاك بسطت باندكاك جبالها وآكامها وتسويتها فصارت قاعًا صفصفا لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا وقال بعضهم زيدت سعة وبسطة من مده عنى أمده أي زاده ونحوه ما قيل جرت فزاد انبساطها وعظمت سعتها وأخرج الحاكم بسند جيد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم ثم لا يكون لابن آدم منها إلا موضع قدميه».

.تفسير الآية رقم (4):

{وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4)}
{وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا} أي رمت ما في جوفها من الموتى والكنوز كما أخرج ذلك عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة وإليه ذهب الزجاج واقتصر بعضهم كابن جبير وجماعة على الموتى بناء على أن إلقاء الكنوز إذا خرج الدجال وكأن من ذهب إلى الأول لا يسلم إلقاء الكنوز يومئذ ولو سلم يقول يجوز أن لا يكون عامًا لجميع الكنوز وإنما يكون كذلك يوم القيامة والقول بأن يوم القيامة متسع يجوز أن يدخل فيه وقت خروج الدجال ينبغي أن يلقى ولا يلتفت إليه {وَتَخَلَّتْ} أي وخلت عما فيها غاية الخلو حتى لم يبق فيها شيء من ذلك كأنها تكلفت في ذلك أقصى جهدها فصيغة التفعل للتكلف والمقصود منه المبالغة كما في قولك تحلم الحليم وتكرم الكريم وقيل تخلت ممن على ظهرها من الإحياء وقيل مما على ظهرها من جبالها وبحارها وكلا القولين كما ترى وقد أخرج أبو القاسم الجيلي في الديباج عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أول من تنشق عنه الأرض فاجلس جالسًا في قبري وأن الأرض تحرك بي فقلت لها مالك فقالت إن ربي أمرني أن ألقى ما في جوفي وأن أتخلى فأكون كما كنت إذ لا شيء في ذلك وقوله تعالى: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا} وتخلت.

.تفسير الآية رقم (5):

{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5)}
{وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا} في الإلقاء وما بعده {وَحُقَّتْ} الكلام فيه نظير ما تقدم وفيه إشارة إلى أن ما ذكر وإن أسند إلى الأرض فهو بفعل الله تعالى وقدرته عز وجل وتكرير كلمة إذا لاستقلال كل من الجملتين بنوع من القدرة.

.تفسير الآية رقم (6):

{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)}
{وَحُقَّتْ يأَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ} أي جاهد ومجد جدًا في عملك من خير وشر {إلى رَبّكَ كَدْحًا} أي طول حياتك إلى لقاء ربك أي إلى الموت وما بعده من الأحوال الممثلة باللقاء والكدح جهد النفس في العمل حتى يؤثر فيها من كدح جلده إذا خدشه قال ابن مقيل:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما ** أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح

وقال آخر:
ومضت بشاشة كل عيش صالح ** وبقيت أكدح للحياة وأنصب

{فملاقيه} أي فملاق له عقيب ذلك لا محالة من غير صارف يوليك عنه والضمير له عز وجل أي فملاقي جزائه تعالى وقيل هو للكدح أي فملاقي جزاء الكدح وبولغ فيه على نحو إنما هي أعمالكم ترد إليكم والظاهر أن ملاقيه معطوف على كادح على القولين وقال ابن عطية بعد ذكره الثاني فالفاء على هذا عاطفة جملة الكلام على الجملة التي قبلها والتقدير فأنت ملاقيه ولا يظهر وجه التخصيص والمراد بالإنسان الجنس كما بؤذن به التقسيم بعد وقال مقاتل المراد به الأسود بن هلال المخزومي جادل أخاه أبا سلمة في أمر البعث فقال أبو سلمة أي والذي خلقك لتركبن الطبقة ولتوافين العقبة فقال الأسود فأين الأرض والسماء وما حال الناس وكأنه أراد أنها نزلت فيه وهي تعم الجنس وقيل المراد أبي بن خلف كان يكدح في طلب الدنيا وإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم والإصرار على الكفر ولعل القائل أراد ذلك أيضًا وأبعد غاية الإبعاد من ذهب إلى أنه الرسول عليه الصلاة والسلام على أن المعنى إنك تكدح في إبلاغ رسالات الله عز وجل وإرشاد عباده سبحانه واحتمال الضرر من الكفار فأبشر فإنك تلقى الله تعالى بهذا العمل وهو غير ضائع عنده جل شأنه وجواب إذا قيل قوله تعالى: